خطبة الجمعة المذاعة والموزعة
بتاريخ 29 من جماد ى الأولى 1444هـ الموافق 23 / 12 /2022م
حُقُوقُ الرَّاعِي وَالرَّعِيَّةِ
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. )يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ( [آل عمران:102].
أَمَّا بَعْدُ: فَيَا أَيُّهَا الْـمُسْلِمُونَ:
إِنَّ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَصَالِحَ الْبَشَرِ – فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا- لَا تَقُومُ إِلَّا بِاجْتِمَاعِهِمْ، وَهَذَا الِاجْتِمَاعُ يَقُومُ عَلَى التَّعَاوُنِ لِجَلْبِ الْمَنَافِعِ لَهُمْ، وَعَلَى التَّنَاصُرِ لِدَفْعِ الْمَضَارِّ عَنْهُمْ، وَلَا يَتِمُّ لَهُمْ ذَلِكَ إِلَّا بِحَاكِمٍ يُنَظِّمُ أُمُورَهُمْ فِي مَعَاشِهِمْ وَمَعَادِهِمْ، وَيُعْنَى بِأَحْوَالِهِمْ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، وَقَدْ عُلِمَ بِالضَّرُورَةِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ لَا دِينَ إِلَّا بِجَمَاعَةٍ، وَلَا جَمَاعَةَ إِلَّا بِإِمَامَةٍ، وَلَا إِمَامَةَ إِلَّا بِسَمْعٍ وَطَاعَةٍ؛ فَهِيَ مِنْ أَعْظَمِ وَاجِبَاتِ الدِّينِ، وَمِنْ أَقْوَى عَوَامِلِ النَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ؛ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (لَا يُصْلِحُ النَّاسَ إِلَّا أَمِيرٌ: بَرٌّ أَوْ فَاجِرٌ) قَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، هَذَا الْبَرُّ فَكَيْفَ بِالْفَاجِرِ؟ قَالَ: (إِنَّ الْفَاجِرَ يُؤَمِّنُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ السُّبُلَ، وَيُجَاهِدُ بِهِ الْعَدُوَّ، وَيَجْبِي بِهِ الْفَيْءَ، وَتُقَامُ بِهِ الْحُدُودُ، وَيُحَجُّ بِهِ الْبَيْتُ، وَيَعْبُدُ اللهَ فِيهِ الْمُسْلِمُ آمِنًا حَتَّى يَأْتِيَهُ أَجَلُهُ) [أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ]؛ وَلِهَذَا كَانَ نَصْبُ الْإِمَامِ فَرْضًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ ؛ لِلْقِيَامِ بِدِينِ اللهِ مِنْ غَيْرِ غُلُوٍّ وَلَا حَيْفٍ، وَبِمَا يُصْلِـحُ دُنْيَا النَّاسِ وَفْقَ الشَّرْعِ الْحَنِيفِ. وَقَدْ صَدَقَ الْقَائِلُ:
لَا يَصْلُحُ النَّاسُ فَوْضَى لَا سَرَاةَ لَهُمْ وَلَا سَرَاةَ إذَا جُهَّالُهُمْ سَادُوا
وَمِنْ عَظِيمِ عِنَايَةِ الْإِسْلَامِ بِهَذَا الرُّكْنِ الرَّكِينِ وَالْوَاجِبِ الْمَتِينِ: أَنَّهُ حَثَّ عَلَى تَأْمِيرِ الْوَاحِدِ فِي الِاجْتِمَاعِ الْقَلِيلِ الْعَارِضِ فِي السَّفَرِ؛ لِيَكُونَ أَمْرُهُمْ جَمِيعًا مُنْتَظِمًا لَا فَوْضَى فِيهِ وَلَا خِلَافَ؛ فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا خَرَجَ ثَلَاثَةٌ فِي سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ» [أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَحَسَّنَهُ النَّوَوِيُّ]. هَذَا فِي شَأْنِ ثَلَاثَةٍ فِي سَفَرٍ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ الْأَمْرُ يَتَعَلَّقُ بِأُمَّةٍ بِأَسْرِهَا فِي دِينِهَا وَدُنْيَاِهَا؟!.
عِبَادَ اللهِ:
لَقَدْ رَتَّبَ الشَّرْعُ الْمُطَهَّرُ عَلَى هَذِهِ الرَّابِطَةِ الضَّرُورِيَّةِ – بَيْنَ الْحَاكِمِ وَالْمَحْكُومِ- حُقُوقًا وَوَاجِبَاتٍ، وَمَهَامَّ وَمَسْؤُولِيَّاتٍ، تُنَظِّمُ شُؤُونَ دِينِهِمْ وَأُمُورَ دُنْيَاهُمْ، وَأَلْزَمَهُمْ إِيَّاهَا، وَوَعَدَ مَنْ قَامَ بِهَا وَرَعَاهَا؛ بِالْأَجْرِ الْكَرِيمِ وَالثَّوَابِ الْعَظِيمِ.
أَلَا وَإِنَّ مِنْ حُقُوقِ الرَّاعِي عَلَى الرَّعِيَّةِ: السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ لَهُ فِي كُلِّ مَا يَأْمُرُ بِهِ وَيَنْهَى عَنْهُ، فَتَجِبُ طَاعَتُهُ، وَيَحْرُمُ الْخُرُوجُ عَلَيْهِ وَمُنَازَعَتُهُ؛ مَا لَمْ يَأْمُرْ بِمَعْصِيَةٍ أَوْ يَنْهَ عَنْ طَاعَةٍ؛ فَلَا طَاعَةَ لَهُ فِيهِمَا؛ إِذْ لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَعَ هَذَا تَبْقَى طَاعَتُهُ وَاجِبَةً وَلَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ عَلَيْهِ بِالْمَعْصِيَةِ.
وَقَدْ جَعَلَ اللهُ طَاعَةَ وَلِيِّ الْأَمْرِ مِنْ طَاعَةِ اللهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ[ [النساء:59]، وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ، مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ» [أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ]. قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: (وَالْحِكْمَةُ فِي الْأَمْرِ بِطَاعَتِهِمُ: الْمُحَافَظَةُ عَلَى اتِّفَاقِ الْكَلِمَةِ؛ لِمَا فِي الِافْتِرَاقِ مِنَ الْفَسَادِ).
وَمِنْ حُقُوقِهِ: بَذْلُ النَّصِيحَةِ لَهُ وَفْقَ السُّنَّةِ وَمَا عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا: يَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا، وَأَنْ تُنَاصِحُوا مَنْ وَلَّاهُ اللهُ أَمْرَكُمْ» [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ].
وَالْوَاجِبُ أَنْ تَكُونَ نَصِيحَةُ الْإِمَامِ وَفْقَ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَالضَّوَابِطِ الْمَرْعِيَّةِ، الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا السَّلَفُ مِنَ الرَّعِيَّةِ، بِلَا تَشْنِيعٍ عَلَيْهِمْ فِي الْمَجَالِسِ وَمَجَامِعِ النَّاسِ، وَلَا التَّشْهِيرِ بِهِمْ فِي وَسَائِلِ الْإِعْلَامِ وَمَوَاقِعِ الِالْتِبَاسِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُفْضِي إِلَى عَدَمِ السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَإِلَى تَأْلِيبِ النَّاسِ وَإِثَارَةِ الْفِتَنِ؛ عَنْ عِيَاضِ بْنِ غَنْمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَحَ لِسُلْطَانٍ بِأَمْرٍ، فَلَا يُبْدِ لَهُ عَلَانِيَةً، وَلَكِنْ لِيَأْخُذْ بِيَدِهِ، فَيَخْلُوَ بِهِ، فَإِنْ قَبِلَ مِنْهُ فَذَاكَ، وَإِلَّا كَانَ قَدْ أَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ لَهُ» [أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ].
مَعْشَرَ الْمُؤْمِنِينَ:
وَإِعَانَةُ الْإِمَامِ عَلَى مَا تَحَمَّلَهُ مِنْ أَعْبَاءِ الْأُمَّةِ، وَمُسَاعَدَتُهُ فِيمَا تَجَشَّمَهُ مِنْ مَشَاقِّ الْمَسْؤُولِيَّةِ لِلْمِلَّةِ، وَالِامْتِثَالُ لِأَمْرِهِ، وَالْقِيَامُ بِنُصْرَتِهِ؛ لَمِنْ أَعْظَمِ حُقُوقِهِ عَلَى الرَّعِيَّةِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ نُصْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ، وَإقَامَةِ الشَّعَائِرِ وَتَعْظِيمِ حُرُمَاتِ الدِّينِ، وَالذَّوْدِ عَنْ حِيَاضِ الْمُسْلِمِينَ؛ قَالَ تَعَالَى: ] وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ[ [المائدة:2].
وَمِنْ حُقُوقِ الرَّاعِي عَلَى رَعِيَّتِهِ: أَنْ يُعَظَّمَ أَمْرُهُ، وَيُحْفَظَ لَهُ قَدْرُهُ، وَيُعْرَفَ لَهُ حَقُّهُ مِنَ الْإِكْرَامِ، وَيُرَاعَى لَهُ نَصِيبُهُ مِنَ الِاحْتِرَامِ، وَأَنْ لَا يَقَعَ أَحَدٌ فِي عِرْضِهِ، وَلَا يَشْتَغِلَ بِسَبِّهِ وَذِكْرِ مَعَايِبِهِ ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ خَطَأٌ فَظِيعٌ، وَجُرْمٌ شَنِيعٌ؛ لِأَنَّهُ بَذْرَةُ الْخُرُوجِ عَلَى الْإِمَامِ، وَنَوَاةُ الْإِفْسَادِ وَالْمَهَالِكِ الْعِظَامِ؛ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ أَكْرَمَ سُلْطَانَ اللهِ فِي الدُّنْيَا؛ أَكْرَمَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ أَهَانَ سُلْطَانَ اللهِ فِي الدُّنْيَا؛ أَهَانَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» [أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ]. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ -رَحِمَهُمُ اللَّهُ-: (لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَظَّمُوا السُّلْطَانَ وَالْعُلَمَاءَ، فَإِذَا عَظَّمُوا هَذَيْنِ أَصْلَحَ اللَّهُ دُنْيَاهُمْ وَأُخْرَاهُمْ، وَإِذَا اسْتَخَفُّوا بِهَذَيْنِ أَفْسَدَ دُنْيَاهُمْ وَأُخْرَاهُمْ).
وَمِمَّا يَتَأَكَّدُ لِلرَّاعِي عَلَى رَعِيَّتِهِ: الدِّفَاعُ عَنْهُ بِالْحَقِّ قَوْلًا وَفِعْلًا، سِرًّا وَجَهْرًا، وَجَمْعُ الْقُلُوبِ عَلَيْهِ، وَرَدُّ الْأُمُورِ إِلَيْهِ؛ لِتَنْتَظِمَ مَصَالِحُ الْأُمَّةِ، وَتَقُومَ أُمُورُ الْمِلَّةِ، وَيَرْسَخَ الدِّينُ وَالْإِيمَانُ، وَيَسْتَقِرَّ الْأَمْنُ وَالْأَمَانُ.
فَإِذَا قَامَتِ الرَّعِيَّةُ بِهَذِهِ الْحُقُوقِ نَحْوَ الرَّاعِي وَأَحْسَنَتْ أَدَاءَهَا: انْتَظَمَ لَهُمْ أَمْرُ مَعَاشِهِمْ وَمَعَادِهِمْ، وَاسْتَقَامَ لَهُمْ شَأْنُ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ.
أَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَلِيَّ الْعَظِيمَ، وَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ جَلَّ فِي عُلَاهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَمُصْطَفَاهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ نَلْقَاهُ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- وتَزَوَّدُوا؛ فإنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى، وَاسْتَمْسِكُوا مِنَ الدِّينِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ:
إِنَّ مِنْ حِكْمَةِ الشَّرِيعَةِ الرَّبَّانِيَّةِ فِي سِيَاسَةِ الْآدَمِيِّينَ، وَمِنْ رَحْمَتِهَا الْمُقَرَّرَةِ فِي رِعَايَةِ شُؤُونِ الْمَخْلُوقِينَ:
أَنَّهَا وَاءَمَتْ بَيْنَ الْحُقُوقِ وَالْوَاجِبَاتِ، فَكَمَا أَنَّهَا أَوْجَبَتْ لِلرَّاعِي حُقُوقًا عَلَى رَعِيَّتِهِ، فَقَدْ أَوْجَبَتْ كَذَلِكَ حُقُوقًا لِلرَّعِيَّةِ عَلَى الرَّاعِي فِي ظِلِّ وِلَايَتِهِ وَإِمَامَتِهِ، أَلَا وَإِنَّ مِنْ أَلْزَمِ حُقُوقِ الرَّعِيَّةِ عَلَى الرَّاعِي وَأَوْجَبِهَا عَلَيْهِ:
حِمَايَةَ بَيْضَةِ الْإِسْلَامِ، وَالذَّبَّ عَنْهُ أَمَامَ الْأَعْدَاءِ الْمُعْتَدِينَ، وَجِهَادَ الْمُشْرِكِينَ، وَدَفْعَ غَائِلَةِ الْبَاغِينَ، وَإِعْدَادَ الْأُمَّةِ لِذَلِكَ مَادِّيًّا وَمَعْنَوِيًّا؛ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ]وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ[ [الأنفال:60]. وَكَذَا يَلْزَمُ الرَّاعِيَ: أَنْ يَحْفَظَ الدِّينَ عَلَى أُصُولِهِ الْمُبِينَةِ وَقَوَاعِدِهِ الْمَتِينَةِ، وَيُقَاوِمَ الْبِدَعَ وَأَهْلَهَا، وَيُعَظِّمَ السُّنَّةَ وَحَمَلَـتَهَا، وَيُدْنِيَ الْعُلَمَاءَ وَالْفُقَهَاءَ، وَيُبْعِدَ الْجَهَلَةَ وَالسُّفَهَاءَ، وَيَنْشُرَ الْعِلْمَ وَيُوَقِّرَ أَصْحَابَهُ، وَيَنْصُرَ الْحَقَّ وَيُقَرِّبَ طُلَّابَهُ، وَيُشَاوِرَ أَهْلَ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ مِنَ الْأُمَّةِ؛ قَالَ تَعَالَى: ] وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ[ [آل عمران: 159].
وَمِنْ حُقُوقِ الرَّعِيَّةِ عَلَى الرَّاعِي: أَنْ يُقِيمَ شَعَائِرَ الْإِسْلَامِ مِنَ الصَّلَوَاتِ، وَالْجُمَعِ وَالْجَمَاعَاتِ، وَالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، وَالْخَطَابَةِ وَالْإِمَامَةِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالصِّيَامِ وَالْأَهِلَّةِ وَالْفِطْرَةِ، وَالْعِيدِ وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ؛ قَالَ الْحَسَنُ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي الْأُمَرَاءِ: (هُمْ يَلُونَ مِنْ أُمُورِنَا خَمْسًا: الْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَةَ، وَالْعِيدَ وَالثُّغُورَ وَالْحُدُودَ).
مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ:
وَمِمَّا يَجِبُ عَلَى الرَّاعِي نَحْوَ رَعِيَّتِهِ: جِبَايَةُ الزَّكَوَاتِ وَنَحْوِهَا مِنَ الْجِبَايَاتِ، وَالنَّظَرُ فِي الْأَوْقَافِ وَالْمَبَرَّاتِ، وَصَرْفُهَا فِي مَصَارِفِهَا الشَّرْعِيَّةِ، وَبِنَاءُ الْمَسَاجِدِ، وَتَنْظِيمُ الطُّرُقِ، وَعِمَارَةُ الْمَدَارِسِ وَالْمُسْتَشْفَيَاتِ، وَالْعِنَايَةُ بِسَائِرِ شُؤُونِ الرَّعِيَّةِ.
وَمِنْ أَوْجَبِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ: إِقَامَةُ الْعَدْلِ بَيْنَ الرَّعِيَّةِ، وَإِرْسَاءُ دَعَائِمِ الْحَيَاةِ السَّوِيَّةِ، وَمُرَاعَاةُ مَصَالِحِ الْعِبَادِ، وَالْقِيَامُ بِشُؤُونِ الْبِلَادِ؛ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» [أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا]. فَإِذَا قَامَتِ الرَّعِيَّةُ بِوَاجِبَاتِهَا، وَوَفَّى الرَّاعِي بِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنَ الْقِيَامِ بِحَاجَاتِهَا: صَلَحَ الدِّينُ وَالدُّنْيَا مَعًا؛ وَإِلَّا عَمَّتِ الْفَوْضَى، وَفَسَدَ الْعِبَادُ، وَخُرِّبَتِ الْبِلَادُ جَمْعًا.
اللَّهُمَّ احْفَظْنَا بِالْإِسْلَامِ قَائِمِينَ، وَاحْفَظْنَا بِالْإِسْلَامِ قَاعِدِينَ، وَاحْفَظْنَا بِالْإِسْلَامِ رَاقِدِينَ، وَلَا تُشْمِتْ بِنَا أَعْدَاءً وَلَا حَاسِدِينَ. اللَّهُمَّ أَبْرِمْ لِهَذِهِ الأُمَّةِ أَمْرَ رُشْدٍ، يُعَزُّ فِيهِ أَهْلُ الْإِيمَانِ، وَيُذَلُّ فِيهِ أَهْلُ الشِّرْكِ وَالْكُفْرَانِ، وَيُهْدَى فِيهِ أَهْلُ الْعِصْيَانِ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَمِيرَ الْبِلَادِ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِهُدَاكَ، وَاجْعَلْ أَعْمَالَهُمَا فِي طَاعَتِكَ وَرِضَاكَ، وَاجْعَلِ الْكُوَيْتَ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ؛ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيعٌ قَرِيبٌ مُجِيبُ الدَّعَوَاتِ.
لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة